تنويه: هذه القصة مستوحاة من احداث واقعية و تم ذكر الاماكن الاصلية للقصة
يروي هذه القصة امام جامع يلقب بالبغدادي، ويقول انها من اغرب ما حصل له مع الجن، وقد اشتهرت هذه الحكاية بين الناس في ذلك الزمان حتى ان بعض الجرائد قد نشرتها بعد وفاة الشيخ بطريقة غريبة…
يقول الشيخ عبدالمجيد البغدادي، تم دعوتنا انا واحد الشيوخ لاحد المنازل القديمة في منطقة المحمدية التونسية وهي مدينة اثرية قديمة، و تم دعوتنا لتلاوة بعض القرآن الكريم اذ يدّعي سكان المنزل حدوث أمور غريبة، وقد كان المنزل قديم جدا لدرجة انك عند النظر اليه تظن انه سيسقط في اي لحظة.
وكان سكان هذا المنزل في حالة مادية سيئة ويعانون الفقر المدقع.
تتكون العائلة من ام ارملة وابنين وكان احد ابنائها وهو الابن الاكبر يعاني الجنون، وعند سؤال الام عن السبب تقول ان ابنها كان في صحة جيدة وسليم عقليا، وفي احد الايام دخل سردابا في منطقة تسمى ”الدواميس” في الاراضي المجاورة للمنزل ومن ثم اختفى فجأة ولم يتم العثور عليه الا بعد مدة تتجاوز السنتين وكان فاقدا لعقله ويعاني نوبات من الصرع، وتقول الام ان احداث غريبة تحصل في منزلها وليس لها مكان آخر تلجأ اليه هي وابناؤها، وعند سؤال الام عن الاحداث الغريبة تقول أن أناس يظهرون في منزلها واصوات غريبة تصدر من تحت الارض ومن الجدران، وانهم دائما ما يجدون شعر وقاذورات في الاكل، وتقول انها في احد الايام كانت برفقة ابنائها واحد الجيران في المنزل فظهر لهم اناس عراة بلا ارجل طائفين فوق ..
ويقول الابن الاصغر انه فقد احدى اسنانه في حادث غريب فيقول: كنت في احدى الغرف اصلي، وعند خروجي من الغرفة اعترضني قط اسود اللون غريب الشكل، وكان نائما ورأسه ملتفتا عكس جسده بطريقة غريبة جدا، فيقول الابن ظننته ميتا فلكزته بعصى فتحرك، فضربته من الفزع، فنظر لي وتكلم بلغة غريبة ثم اخذ يجري صوب المطبخ واختفى في الظلام، وعندما لحقته لم اجد له اثرا، فنمت ليلتها وحلمت اني اصلي واخرج من الغرفة لاجد شيخا طويل الاذرع شديد سواد البشرة فضربني بعكازه وقال وجدتني نائما فضربتني وكان غاضبا جدا، فافقت فزعا وكانت سني مكسورة والدم يقطر من فمي.
ويضيف الابن فيقول: كنت نائما في احد ليالي الشتاء فسمعت احدا يناديني ويطرق الباب بقوة، فافقت وذهبت ففتحت الباب فلم اجد احدا، فعدت للنوم وكنت لم انم بعد، فسمعت الطرق مجددا وكان اقوى وصار ينادي بصوت اعلى، فذهبت مسرعا فلم اجد احدا، فاستغربت، عدت للغرفة ولكن لم استطع النوم وظللت افكر في ما يحصل، واذا بي اسمعه من جديد ولكن كان اعلى هذه المرة، وهنا استوضحت ان الصوت ليس صادرا من باب المنزل بل يصدر من باب الخزانة، فتسمّرت في مكاني وجحظت عيناي ولم استطع اغلاقهما، وظللت احدق في الخزانة، ففتح الباب وخرج رجل اصلع نحيف يتنفس بطريقة غريبة تلمع عيناه في الظلام كأعين الدواب وكان لا يملك من الشعر الا شعرا كثيفا محيطا بخصره يستر عورته وكان يمشي على اربع، فأغمضت عيني بصعوبة وتجمدت اطرافي عن الحراك حتى سمعته يغادر غرفتي ولم انم ليلتها ولا تحركت من مكاني.
فيقول الشيخ استغربنا من كلامه وتشاورت مع الشيخ الجريدي وكان امامي هو أيضاً واتفقنا على ان نشرع بتلاوة القرآن، وكان الزمان ليلا، وما إن بدأنا حتى انقطعت الكهرباء، فكنا نسمع اشخاص يمشون من حولنا فلم ننقطع حتى عادت الانارة، فوجدنا اثار اقدام ملطخة بالنجاسة على سقف المنزل وكان هذا اغرب ما رأيت في حياتي، وكنا كلما شرعنا في التلاوة تكرر الموقف، حتى انهينا حزبا من القرآن، فنظرنا الى الام وكانت ملامح الحزن تكسو وجهها، فقلنا لها ان تذهب الى بيت احد الجيران في اليوم المقبل وتبقى عندهم حتى ننهي التلاوة، وان يظل معنا ابنها الاصغر، وبالفعل عدنا الى منازلنا ورجعنا في اليوم التالي الى هذا المنزل الغريب وكانت الام قد ذهبت وابنها الاكبر الى احد منازل الجيران، وبقي معنا ابنها الاصغر.
فشرعنا في التلاوة وماهي الا دقائق حتى اغمي على الابن، فوضعت يدي على رأسه و واصلت تلاوتي، وماهي الا دقائق اخرى حتى سمعنا ضحكات غريبة كنباح الكلاب بصوت لرجل كهل تأتي من تحت الارض، توقفت عن التلاوة و واصل الشيخ الجريدي قراءته، قربت اذني من الارض فسمعت الضحكات واضحة وكان الصوت يثير ضيق الصدر، فسألت من انت ! فلم يجب، وعلا صوته فاستغفرت واعدت سؤاله فعلا صوته اكثر، فلعنته فقال ”اخرجو من ارضي” ومن ثم صار الصوت يظهر تارة ويختفي اخرى، وبعد دقائق افاق الابن وكان يتقيأ ويخرج من فمه خيوط وشعر...
ومرّت ايام على هذا الحال وكنا نأتي هذا المنزل ونتلو القرآن بيد ان الاحداث الغريبة لا تكف ولا تنقطع.
فيقول الشيخ كنا في أجدا الايام نتلو القرآن وكان معنا الابن الاصغر فقط، فدخلت علينا الام واستأذنت بدخول الحمام، وكان الحمام يقع في آخر ركن من المنزل، اي لا يدخله احد ولا يخرج منه الا ويمر من عندنا، فدخلت الام الحمام، وتوقفنا نحن عن القراءة كي لا تسمع كلام الله في مكان نجس، فسمعنا طرقا على باب المنزل، فخرجت لافاجىء ان الطارق هي الام!..
ويقول الشيخ في احد الايام كنت والشيخ الجريدي قد توقفنا عن التلاوة نرتاح قليلا، فغلبني التعب واستسلمت للنوم، وعندما استيقظت لم اجد احدا في المنزل، وكانت الشمس قد غابت وحل الظلام، فكنت في حيرة من امري، واذا بي اسمع همسات تاتي من شتى الاتجاهات، وكنت كلما نظرت الى احد الغرف رايت ناسا يسترقون النظر في الظلام، فكلما دخلت غرفة بسملت فلا اجد احدا، فخرجت من المنزل، وفي الغد سألت الشيخ الجريدي عن سبب عدم ايقاظي، فقال اني استأذنته بالعودة الى المنزل وغادرت قبله، وقالت الام انها عادت فلم تجد احدا غير ابنها في المنزل.
وظلت الاحداث الغريبة على حالها مهما تلونا من القرآن ودعينا من الدعاء.
فيقول الشيخ في احد الليالي رأيت في منامي اني ادخل سردابا مظلما ضيقه كضيق القبر قرب منزل هذه العائلة، لأفاجأ في الغد ان الشيخ الجريدي قد رأى في منامه مثلما رأيت، فسألنا الام فقالت هذه الحفرة التي دخلها ابني قبل ان يختفي، فتشاورت والشيخ على ان ندخلها عسى ان نجد فيها ما يعيننا على هذا البلاء او ما يجيب عن تساؤلاتنا.
وبُعيْد صلاة الفجر في اليوم التالي ذهبنا والام ترشدنا صوب السرداب، فنزلت اولا ثم لحقني الشيخ بعد ان قلنا للام ان تنصرف الى منزلها، وكان المكان مظلما وضيقا، كان معنا مصباح يدوي ولكن العجيب ان ضوءه لم يكن ينير المكان ابدا، وكان السرداب منخفض السقف اذ عليك الانحناء لتتمكن من المشي، وكنا نرا نورا آت من آخره.
فيقول الشيخ فضللنا نمشي لمدة لا تتجاوز العشر دقائق، لنفاجأ عند خروجنا ان الصباح قد استحال ليلا و اننا في منطقة صحراوية قافرة، وعندما نظرنا الى المخرج وجدناه وقد دفنه الرمل، حاول الشيخ الجريدي الحفر لكن بلا جدوى وكأن الحفرة لم يكن لها وجود، فعرفنا ان هذا من فعل الجن وان هذا السرداب مدخل من مداخل عالم الجن، كانت كثبان الرمل تحيطنا من كل صوب عدى اتجاه واحد كنا نرى فيه منازل من الطين على مرمى البصر وكان يشع منها لهب النار، فإتجهنا صوبها و قد كانت على مسافة ليست ببعيدة، فاخذنا نسير و نحث الخطى، ولكن كلما اقتربنا بعدت المنازل اكثر حتى انهكنا التعب، ولكننا واصلنا السير ونحن نستغفر حتى بدأنا نقترب، وما ان اقتربنا حتى سمعنا زمير المزامير وقرع الطبول وغناء وكأنها الحيوانات تعوي، وعندما وصلنا وجدنا أناسا عراة يرقصون حول نار موقدة ولكن لم يكن لهم ظل ناتج عن ضوء النار ولم تكن اقدامهم تترك اثرا على الرمال فعرفنا انهم من الجن، اتى احدهم مسرعا وكان غريب الوجه غليظ الملامح وكأن ملامحه تغير مكانها ببطئ و قال اجلسوا
فلم ننطق، فيقول الشيخ هممت بالجلوس فبسملت فإختفى الضجيج لأجد اني جالس ورفيقي على حجر في الخلاء و قد اختفى كل من حولنا حتى المنازل، فأخذنا نستغفر وتملّكنا الخوف، واذ بنا نسمع حوافر دابة، فإلتفتنا خلفنا لنجد رجلا سمينا تكاد مطيّته تبرك من ثقله وكان يرتدي على رأسه تاجا من الخشب مرصعا بالحشرات، يمتطي جملا اسود قاتم لا يشوبه لون غير السواد.
فقال الرجل وصوته يزلزل الأرض من تحتنا، ما اتى بكما لهذا القفر اما علمتما انه محظور على بني آدم؟
فروينا له قصتنا، فقال لا دخل لكما بهم فولدهم عليه ثأر فقد اتى على احدنا فآذاه، ومنزلهم ملك لنا قبلهم فأتوا وسكنوه، وما نحن الا امم امثالكم، فإرجعو ادراجكم تكونو سالمين..
فيقول الشيخ فما قدرنا على فعل شيء وقلنا له ان المدخل قد اختفى، فقال ارجعا تجدوه ولا تنظرا الى الوراء ابدا فتكونا نادمين، فرجعنا لنجد دابتا بجسم كلب ورأس انس تحفر في الارض، وما ان اتضح المخرج حتى خرج منه يجري، فنزلت قبل الشيخ الجريدي مطأطأ الرأس اسير في الظلام والشيخ يتبعني من خلفي حتى شارفنا على الخروج، فسمعت الجريدي ينادي بإسم والدته و كأنه يسمعها تناديه ومن ثم سمعت صراخه وسكن صوته فجأة، فأبيت ان التفت وظننته من فعل الجن، فخرجت وانتظرته طويلا ولكنه لم يخرج.
لم يظهر الإمام الجريدي بعد ذلك ابدا وشاعت الحكاية بين الناس وشرعوا في البحث عن الشيخ ولكن لم يفلح احد في العثور على السرداب واختفى من الوجود، وبعد فترة من الزمن تم هدم المنزل وتصدق الناس بأموالهم فبنوا جامعا في مكانه سمي جامع محمد الجريدي، واعطى احدهم منزلا للارملة و ابنائها، والغريب انه و بعد اشهر من هذه الحادثة تم العثور على الشيخ عبدالمجيد البغدادي ميتا في منزله والنمل يأكل رأسه واطرافه مخلوعة من جسده .
بقلم : آدم بوقطف – تونس