اليزالبث الفتاة اللطيفة المؤدبة .. لماذا تحولت فجأة؟ |
تكثر في ثقافاتنا الشعبية قصص المس والإستحواذ التي غالبا ما تكون مبالغا فيها بهدف إخافة الأطفال وبث شيء من الرعب في نفوسهم لكن قصتنا اليوم ليست مثل أي قصة إستحواذ إخرى تناقلتها الأفواه وحملتها إلينا رياح الأساطير، بل هي – رغم قدمها – حكاية موثقة من قبل القس سامويل ويلارد الذي عمل في كنيسة مستعمرة خليج مانشستر ( manschester bay ) في أمريكا خلال فترة إستيطان أراضي الهنود الحمر وقد كان هذا الأخير هو المسؤول ولو بطريقة غير مباشرة في إستحواذ إليزابيث الشيطاني وأيضا في تخليصها منه بجلسات طرد أرواح عديدة لم يكل ولا يمل منها وكل ذلك بهدف تبرئة نفسه وتبرئتها من تهمة السحر التي كانت منتشرة في تلك الفترة.
بداية الأحداث و تفاقمها
عملت في بيت القس
ولدت إليزابيث ناب يوم 21 فيفري ( فبراير ) عام 1655 بمدينة واترتاون ولاية ماساشوستس وترعرعت في مدينة غروتون، وقد كانت الإبنة الوحيدة للمهاجرين إليزابيث الأم والاب جايمس الذي كان يعمل كفلاح لدى قس ثري يدعى سامويل ويلارد والذي قرر أن يضيف الإبنة وهي في عمر السادسة عشر لقائمة عماله كمعينة منزلية، تنظف البيت وتعتني بإبنائه، كانت الأمور بخير وإليزابيث كانت فتاة مطيعة ولطيفة لكن كل ذلك تغير مع مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام 1671 حين بدأ الوالدان جايمس وإليزابيث يلاحظان تغيرا في سلوك إبنتهما فقد كانت تنفجر بالبكاء دون سابق إنذار غالبا حينما تكون وحدها وأضحت أكثر إنطوائية، ليس هذا وحسب بل إنها في منتصف أحد مراسم الكنيسة الأسبوعية دخلت في نوبة ضحك هستيرية أحرجت بها عائلتها التي ظنت أنها تشاغب شغب المراهقين الإعتيادي، نظرية كانت حبالها مهترئة إذ تمزقت لحظة دخول الأب يوم 30 من نفس الشهر ليجد إبنته تخنق نفسها بيديها وهي تصرخ ”إنه يخنقني” وقد تدحرجت عيناها لمؤخرة رأسها في مشهد صعق جايمس الذي قفز لمساعدة إليزابيث المسكينة التي ما إن فك وثاقها من يديها البريئتين حتى دخلت في نوبة ضحك هستيرية غريبة أخرى أدت بها لفقدان وعيها بسبب الإرهاق.
الأب المرتبك لم يجد حلا غير وضع إبنته في فراشها وتوصية الأم بمراقبتها طيلة تلك الليلة التي مرت هادئة لم تلاحظ فيها الوالدة شيئا سوى تناقض غريب في التنفس جعلها تعتقد إن إبنتها مريضة، إعتقاد كان أقرب للخوف منه للعقلانية ففي تلك الفترة كل فرد تظهر عليه آثار الإستحواذ سيصنف تلقائيا من زمرة السحرة والمشعوذين وينفذ فيه حكم الإعدام.
خوفا من تلك النهاية المأساوية حاول الوالد في صباح اليوم التالي الوصول للقس ويلارد لكنه قوبل بالفشل فقد كان هذا الأخير يزور والده في مدينة أخرى تاركا جايمس أمام حل واحد وهو الإتصال بطبيب في محاولة لجعل حالة إبنته تبدو علمية أكثر منها روحية لكن مجددا ضربت مطرقة الشيطان وبقوة، فبعدما عاد الأب من عمله مساءً ناقش مجددا فكرة الطبيب مع زوجته على مسامع إليزالبث التي كانت جالسة تستأنس بنار المدفأة لكن المحادثة لم تطل وإنتهت سريعا بإنسحابهما للفراش من شدة التعب تاركين إبنتهما التي راحت تتخبط في الأرض كحمل منحور ما إن أخذ والديها مكانهما وقد إبيضت عيناها مجددا قبل أن تبدأ بالتدحرج تجاه ألسنة نار المدفأة لكن الأب المذعور وفي آخر لحظة أمسك إبنته بعدما تناهى له ضجيجها الذي دفعه للهرولة للطابق للسفلي، ومرة أخرى أغمي على الطفلة وكشف ستار الحقيقة المرة عن حالة إليزابيث الحقيقية، لقد كانت ممسوسة وما أكد ذلك تدهور حالتها الصحية في الأيام التي تلت إضافة لقوتها غير العادية في تلك الفترات القصيرة التي كانت تستيقظ فيها وتكرارها بين الفنية والأخرى لكلمات مثل المال والخطيئة وبضع جمل لا معنى لها.
تغلغل الخوف لقلوب ثلة الجيران التي سمعت بحالة إليزابيث و وصل الخبر بعد ذلك للكنيسة التي قررت إستدعاء الموقر ويلارد الذي قيل أنه شق طريق العودة على ظهر حصان ولم يتوقف قط إلا حين وصل منزله بغية تغيير ملابسه فقط قبل أن يتجه لمنزل آل ناب أين وجد إليزابيث مستلقية بهدوء في سريرها ومحاطة بعائلتها الصغيرة، الموقر سأل إليزابيث عن سبب محتمل لحالتها وقد أجابت أنها في الليلة الماضية رأت إمرأة عجوزا على هيئة جارتها الثرية تنزل عبر مدخنة الموقد وتلقي عليها لعنة جعلتها تتخبط مثلما فعلت.
لقد كانت ممسوسة
القس لم يقتنع بتلك الرواية خاصة و أنها إتهام مباشر لإمرأة بالسحر دون دليل واضح وقرر أن يعطي الفتاة فترة تفكير وهدوء مدتها ليلة مرت سريعا كنسمة دافئة وقد نجحت إستراتيجيته إذ في اليوم التالي إعترفت إليزابيث بكونها ممسوسة وأخبرت القس أن الشيطان ظهر لها أكثر من مرة في مكان عملها خاصة في المساء وكان يعرض عليها المال والحرير وحياة سعيدة رغدة مقابل قيامها بأعمال بشعة تأرجحت بين قتل عائلتها وقتل أبناء الموقر والموقر بنفسه حيث أضافت إليزابيث أنها وجدت نفسها ذات يوم عند الدراج المؤدية للطابق الثاني وفي يدها خطاف كانت ستستعمله لقتله والشيء الوحيد الذي حال دون ذلك كان تحرك ويلارد المستمر في غرفته مما دل على أنه مستيقظ وبإمكانه إيقافها.
الطفلة طبعا أكدت أنها قاومت هذا الكائن الشيطاني بكل قوتها ورفضت صفقته رغم أنه كان يظهر لها مع كل خطوة تخطوها وقد وصفته هذه الأخيرة بقولها أنه كائن أسود لا يضع قدميه على الأرض قط بل كان يطفو حولها طوال الوقت حتى في غرفتها كدليل على إصراره وعدم إستسلامه مثله مثل ويلارد الذي واصل القدوم في الأيام التالية للقيام بجلسات طرد أرواح عديدة وقد كانت ردة فعل إليزابيث أعنف حين تراه مع مرور كل يوم وفي خضم كل جلسة وقد إزدادت حالتها تدهورا بشكل مريع دفع بالقس للتواصل مع طبيب المدينة الذي حضر للمنزل وشخص حالتها على أنها عسر هضم بالغت في إظهار أعراضه لجذب الإنتباه ونصح العائلة بإخضاعها للصيام كوسيلة للعلاج.
الموقر سامويل ويلارد حاول هضم تشخيص الطبيب لفترة لكن الأعراض المخيفة على جسدها، بياض عينيها والشتائم المقززة التي كانت تشتمه بها والتي لم تكن لتعرفها فتاة في سنها كلها عوامل جعلته يرمي بذلك التشخيص عرض الحائط، ليس هذا وحسب بل إنها قالت أن الشيطان تحدث معها في الليالي التي كانت فيها طريحة الفراش بعدة صور منها صورة كلب أسود وخروف و بضع أشكال أخرى.
النهاية
قررت المرور بمنزل الموقر
سقطت إليزابيث بعد تلك المحادثة أرضا وقد غابت عن الوعي لتتعالى الصلوات والأدعية منهية إستحواذا شيطانيا كاد يودي بحياة الفتاة التي إعترفت لاحقا أن الشيطان إعتدى عليها أكثر من مرة كما إعتاد على النوم بجانبها في سرير واحد لكن ذلك لم يؤثر على حياتها الشخصية فقد تزوجت من أحد رجال القرية وعاشت معه حياة هانئة.
النظريات
مثل كل حادثة غريبة تملك القصة بدورها بضع نظريات تجعلها تبدو أكثر منطقية و ربما حتى علمية .
أولا: الجن العاشق
منطقية أكثر منها علمية، هذه النظرية ومن إسمها ترجح أن يكون سبب حالة إليزابيث جنا عاشقا وقع في سحر جمالها الطفولي البريء خاصة وأن آخر مقولة له كان إعلانا صريحا بذلك، إضافة لكونه شاركها السرير لأكثر من مرة على حد قولها.
ثانيا: داء هنتنغتون
يعتقد خبراء عصرنا الحديث أن إليزابيث كانت تعاني من داء هنتنغتون وهو مرض يصيب خلايا الدماغ مسببا تشنجات قوية في الجسم والوجه وحركات لا إرادية إضافة لنقص في الوزن وإضرابات في المشاعر مثل الإكتئاب، لكن صوت إليزابيث المتغير وقوتها غير الإعتيادية في فترة معاناتها يمكن أن تضع بضع ثقوب على هذه النظرية.
ختاما
كانت هذه أحد قصص الإستحواذ الشيطاني الكثيرة لكن سبب شهرتها ليس فقط روايتها من قبل شخص موثوق وإحتمالية كذبه قليلة بل لأنها شابهت في إحداثها مجزرة ”محاكمة مشعوذي سايلم” و التي راح ضحيتها عشرين شخصا ذنبهم الوحيد أنه ظهرت عليهم أعراض مشابهة وربما سنغطيها مستقبلا في مقال آخر.